فكر إسلامي

ی ذكری عاشوراء الامام الحسین علیه السلام.. عندما یُنحر الإصلاح وتُسلخ الحقیقة

‘.. انی لم اخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح فی أمة جدّی، أرید أن آمر بالمعروف وأنهی عن المنكر، وأسیر بسیرة جدی (ص) وأبی علی بن أبی طالب (ع) فمن قبلنی بقبول الحق فالله أولی بالحق ومن رد علی هذا اصبر حتی یقضی الله بینی وبین القوم بالحق وهو خیر الحاكمین..’- من وصیة الامام الحسین بن علی علیهما السلام لأخیه محمد بن الحنفیة حین خروجه من المدینة عام 60 للهجرة .
التاریخ یعید نفسه علی طول امتداده مراراً والطواغیت وحكام الزور والفراعنة یتوارثون السلطة نسلاً عن نسل ویسیرون علی النهج ذاته فی قمع الحریة واللعب بالدین وعقائد الأمة وكم الأفواه والتعتیم علی الحقیقة وتحریف الواقع وتزییف الاحكام السماویة وتزویر الأحادیث النبویة وما أوصی به خاتم المرسلین (ص) للأمة للالتزام به كی لا تضلُ من بعده أبداً فأبعدوا من نصبه الله سبحانه وتعالی وبنص صریح ولی للأمر وابتدعوا هم ولایة الأمر لأنفسهم فتوارث الأحفاد من الأجداد هذه الخدعة ودفعوا بها نحو فرض السطوة والسیطرة وعودة الأمة الی الجاهلیة والظلمة والظلامة التی كانت تعیشها قبل بزوغ شمس الحریة والعدالة والمساواة والعلم والنور بظهور الاسلام لیضحی الدین كله علی البشریة نحو الاستقرار والأمن والعیش السلیم والأمان بین مختلف طبقات وأدیان وطوائف وقومیات المجتمع البشری .
هذا الأمر لا یلیق لمن كان یسطو ویغزو وینهب أموال الناس ویسلبهم ممتلكاتهم وینتهك أعراضهم ویسوق نساءهم وأطفالهم سبایا وعبید یباعون فی أسواق النخاسة؛ ما دفعهم للانقلاب علی الواقع والحقیقة والوصیة السماویة والأوامر الألهیة ما أن أغمضت عینی نبی الرحمة وفارقت روحه الطاهرة الحیاة لتلتحق بربها بكل شوق وأمانی، والعودة نحو الجاهلیة البخیسة التی كانت تغوص بوحلها القذر قبل الإتیان بدین الرحمة والرأفة بعیداً عن شحذ السیوف والسكاكین لتقطیع أجساد بعضها البعض وأكل الأكباد التی كانت تعیشه ولقرون طویلة وهی لا تزال متلاصقة مع لحظات نزول الوحی والآیات الكریمة وأوامر الخالق المتعال؛ فاغتصبت الحقوق وضاعت الوصیة وسرعان ما دفعوا بالقرآن الكریم الی رفوف البیوت بعیداً عن السیر بما أوتی به وأوصی به النبی الكریم (ص) لیعیدوا ترتیب وتشكیل سطوتهم وحكومتهم علی ما كانوا علیه فی عهد الظلام ومجامعة الأمة والأخت ورفع الرایات الحمراء علی البیوت .
‘إنّا أهل بیت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحل الرحمة، بنا فتح الله وبنا یختم، ویزید رجل فاسق شارب خمر قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق، ومثلی لا یبایع مثله، ولكن نصبح وتصبحون ننتظر وتنتظرون أینا أحق بالخلافة والبیعة’ – من كلام الإمام الحسین (ع) فی مجلس الولید الذی دعاه لبیعة یزید .
سنوات قلیلة جداً كانت هی الفاصل بین ‘رزیة الخمیس’ التی جمعت عدداً من القوم فی ‘سقیفة بنی ساعدة’ والانقلاب علی وصیة الرسول المصطفی (ص) وبین نهضة عاشوراء الدم والتضحیة والاباء والفداء بكل ما هو غال ونفیس لعودة الأمة نحو الاصلاح والصلاح فی أمة كانت ولا تزال شیمتها الغدر والخیانة والكذب والنفاق والتضلیل والتزییف والانحراف والتزویر، وأضحی قادتها منافقین قاسطین مارقین یحاربون الحق والحقیقة والقرآن والسنة حباً وطمعاً بالسلطة والثروة والمقام والحكم والجبروت والفرعنة بكم الأفواه والقبضة الحدیدیة والقمع والتنكیل وتكفیر الآخر واستباحة دمه وعرضه وماله وحرق الأخضر والیابس وفعلوا ما فعلوا أبناء البغاة ومداعبی القردة وشیاطین العصر ممن نصب أنفسهم ولاة للأمر علی الأمة من الأفعال الشنیعة والبشعة یندی لها جبین التاریخ خلال السنوات الثلاث من حكمهم حتی أن بیت الله العتیق لم ولن یسلم من حقدهم وعداوتهم وشقائهم علی الاسلام وأهل بیت النبوة والامامة الذی أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا (سورة الاحزاب – الآیة 33) .
‘إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإنّ الدنیا قد تغیّرت وتنكرت وأدبر معروفها، واستمرت جدّاً ولم یبق منها الا صبابة كصبابة الإناء، وخسیس عیش كالمرعی الوبیل، ألا ترون إلی الحق لا یعمل به، والی الباطل لا یتناهی عنه، لیرغب المؤمن فی لقاء ربه حقا حقاً، فانی لا أری الموت الا سعادةً، والحیاة مع الظالمین الا برما… أن الناس عبید الدنیا والدین لعق علی ألسنتهم یحوطونه ما درّت معایشهم فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الدّیانون’ – من كلام الامام الحسین (ع) فی خطبة له بعد أن صلّی باصحابه وبجیش الحر الریاحی قبل ان یلتحق بالامام (ع) فی كربلاء .
لقد نحروا الإصلاح وأراقوا دم أطهر البشریة وأزكاها وأنقاها وأعظمها وأعلمها بالدین والدنیا وأهل بیته المیامین الأطهار وأصحابه المنتجبین الأخیار الذین كانوا زبدة وخیرة عصرهم وقطعوا أوصالهم وسحقوا بحوافر خیلوهم أجسادهم الطاهرة وسلخوا الحقیقة ولم یسلم من فجائعهم وقتلهم وحقدهم وقساوتهم حتی ذلك الطفل الرضیع الذی لا یبلغ من العمر ستة أشهر، اولئك الذین خرجوا علی خلیفة زمانهم وعصوا أمره رغم أنهم انتخبوه وألحوا علیه لتولی أمرهم والحكم بهم وهو القائل فیهم (ع): ‘دنیاكم هذه لا تساوی عندی عفطة عنز’؛ فاحرقوا خیام أهل بیته وسلبوهم وساقوهم أساری فی البلاد الاسلامیة من منزل الی منزل.. من كربلاء الدم حتی شام الطاغیة الفاسق الفاجر الذی وصفه سبط الرسول (ص) وروحه التی بین جنبیه الامام الحسین مخاطبا والی المدینة آنذاك الولید بن عتبة بن ابی سفیان..’ یزید رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق ومثلی لا یبایع مثله…’ .
الیوم وبعد مضی نحو 14 قرناً تتكرر المأساة وتعود قیادة الشعوب الاسلامیة لمن نصب نفسه علی قیادتها دون اختیار أو انتخاب من قبل الأمة التی تشدقوا برأیها فی بدایة الفتنة فیما الیوم لم ولن یعیروها أدنی اهتمام مستبدین برأیهم باعتبارهم أصحاب القرار والقوة والمال والحكم والسطوة جلادون فراعنة یعیدون صورة عصور الجاهلیة الظلماء فی ظل غیاب أسود العرین إما شهداء أو معتقلین مقیدین بالسلاسل قابعین فی سجون وغیاهب ظلمات أحفاد أمیة وهند آكلة الأكباد، ونری الفأر ینصب نفسه ملكاً وأمیراً وولیاً للأمر وخلیفة یفتك بالأجساد ویزهق الأرواح وینتهك الأعراض ویكم الأفواه ویلطم الخدود وتُزرق وتُسود متون الحرائر والمجاهدین تحت ضربات أسیاط الطغاة والجلادین المارقین وتساق النساء سبایا تباع فی أسواق النخاسة بابسخ الأثمان ویفعلون الزنی والمحرمات بأعراض الناس ونوامیسهم تحت یافطة ‘جهاد النكاح’ استناداً لفتاوی وعاظ سلاطین البترودولار الخلیجی أولئك الذین لا مفر لهم مما یقترفون أبشع وأفجع وأبطش أنواع الاجرام والقسوة ما یندی له جبین البشریة والتاریخ متجاهلین أن الدور قادم لهم عن قریب بعون الله تعالی وهو القائل ‘إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَیْسَ الصُّبْحُ بِقَرِیبٍ ‘-سورة هود – الآیة 81 .
فعندما یُنحر الاصلاح وتُسلخ الحقیقة.. تنتهك حرمات الله بكل بساطة وسهولة دون استحیاء أو رادع أنسانی أو أخلاقی أو دینی وهو ما صوره الامام الحسین بن علیی علیهما السلام فی خطبة له باصحابه وجمع من الحجیج بمكة قائلا: ‘خط الموت علی ولد آدم مخطّ القلادة علی جید الفتاة وما أولهنی إلی أسلافی اشتیاق یعقوب إلی یوسـف وخیر لی مصرع أنا لاقیه كأنی بأوصالی تقطعها عـسلان الفلوات بین النواویـس وكربلاء’.
أضاف الامام الحسین علیه السلام فی كلامه وهو یقف عند القبر الطاهر لجده رسول الله (ص) ووالدته الشهیدة الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السلام قبل خروجه نحو مكة لیتوجه منها نحو الكوفة ‘یا أماه وأنا والله أعلم ذلك وأنی مقتول لا محالة ولیس لی من هذا بدٌّ، وإنی والله لأعرف الیوم الذی أقتل فیه، وأعرف من یقتلنی وأعرف البقعة التی أدفن فیها، وإنی أعرف من یقتل من أهل بیتی وقرابتی وشیعــتی وإن أردت یا أماه أریك حفرتی ومضجعی’، موضحاً بذلك عزمه وارادته فی مواصلة مسیرة ثورته الالهیة الاصلاحیة ثورة العز والإباء والوفاء والصدق والحقیقة والصمود والجهاد فی سبیل الله سبحانه وتعالی بكل ما لهذه الكلمات من معانٍ؛ وهو ما عانه ویعانیه أهل بیت النبوة والامامة وشیعتهم ومحبیهم وأنصارهم علی طول التاریخ ویفجعون بحروب تكفیریة ارهابیة تسیل من دمائهم الزكیة الانهار لعل ذلك یشفی غلیل أبن آكلة الأكباد صاحبة الرایة الحمراء الذی یحكم أحفاده غالبیة البلدان الاسلامیة فی عصرنا الحاضر ویدعمون الارهاب والارهابیین بكل ما لدیهم من وسیلة اعلامیة ومادیة وتسلیحیة وأمنیة ولوجستیة لتشویة صورة الاسلام المحمدی دین المحبة والأخاء والعدل والمساواة فنری الاجساد مقطعة فی شوراع البلاد والدماء منتشرة علی البلاط وجدران المنازل ویزیدو العصر یكبرون ویهلهلون فرحاً وانتصاراً لهبلهم ولاتهم والعزا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى