هل لديك بصيرة؟

البصيرة من اكبر نعم الله على الانسان. فبها يرى المؤمن بعين الله، يدرك العالم من حوله ويرى ما لا يراه الآخرون. يحركه ايمانه الفطري باتجاه ما يرضي الله، بعيدا عن الهوى وما يمليه الشيطان. فمن يملك البصيرة يكتسب وعيا لا يملكه الآخرون، وقدرة على طرد وساوس الشيطان اقوى مما لدى غيره. ينظر الى الامور فيتجلى له الموقف واضحا بدون لبس او تشوش، فكأنه مصداق للآية الكريمة “قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني،وسبحان الله، وما انا من المشركين”. أعماله عبادة لانها تحقق رضا الله تعالى، يمارسها بفطرة نقية فلا يشوبها اضطراب ذهني او ضياع فكري. وهكذا تتحقق العبادة في ما يفعل وما يترك.
ومن يفتقد هذه البصيرة يصبح أعمى لا يرى ما حوله، فكل الخيارات متداخلة، وكل الطرق متعرجة امامه، فان سأله سائل ازداد حيرة، وان استعان به احد لاستبانة الطريق اضله. قد يكون من القراء او “المثقفين” او “المعلمين”، وقد يرتدي زي العلماء، ولكنه ينظر امامه فلا يبصر شيئا. فهو مصداق للآية الكريمة “كمثل الحمار يحمل أسفارا”، تثقل ظهره ولكنه لا يعي ما فيها. انه مخزن للعلوم، فشأنه كالجهاز الآلي الذي يخزن المعلومات ولكنه لا يعي مضامينها. فالايمان الذي تصاحبه البصيرة يدفع صاحبه لممارسة دور الامامة “واجعلنا للمتقين اماما”، والشهادة “يوم نأتي من كل امة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيدا”. لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا تخيفه مكائد الظالمين ولا تهديدات الطغاة.
البصيرة كنز تتضاءل امامه كنوز المال والعلم المحض. فمن تتوفر لديه يصبح حكيما لانه يضع الامور في نصابها “ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا”. ويتعمق الايمان لديه. ومن أجلى مصاديق تلك البصيرة قدرة المؤمن على التصدي لاقامة العدل ومقارعة الظلم بقلب راض بقضاء الله وقدره. تتصاغر امامه الدنيا وزخرفها، ويبتغي في كل عمله ما عند الله. فهي لا تتوفر الا لمن صدق في ايمانه واخلص نيته ونفض عن قلبه أدران الدنيا. فان لم يمتلكها الانسان اصبح مطية للشيطان، لا يزيده سعيه الا ابتعادا عن الله “قل هل انبئكم بالاخسرين اعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا”. ما اجمل ان تتوفر لدينا البصيرة، ويستجيب الله دعاءنا “اللهم ارنا الحق حقا فنتبعه، والباطل باطلا فنجتنبه، ولا تجعله متشابها علينا فنتبع اهواءنا بغير هدى منك”.
د.سعيد الشهابي