فكر إسلامي

نحـو سلـوك إســلامي قـويــم في الحـكـم

ظواهر مقلقة في الشأن السياسي، من بينها تكرار القول بان للسياسة أخلاقا تختلف عن الأخلاق العامة المتوافق عليها انسانيا واسلاميا. ويشار بالبنان الى سلوك بعض الاسلاميين الذين يصلون الى السلطة وسرعان ما يتراجعون عن بعض القيم التي كانوا يدعون اليها قبل ذلك.

ومما يثار في هذا الجانب ما يتردد حول الفساد المالي لدى بعض العناصر الاسلامية، او الفساد الاداري المتمثل بالمحسوبية والمنسوبية، وحول المساومة على القيم في مجال احترام حقوق الناس وحفظها. وهنا لا بد من التمييز بين أمرين: الدعاوى التي تطلق على عواهنها، والحقائق التي تؤكدها الارقام والوقائع. وفي الأعم الأغلب، تطلق الادعاءات والاتهامات جزافا، بدون توفير ادلة ملموسة. فيقال مثلا: فلان اختلس اموال الدولة، او ان فلانا عين أقرباءه في مناصب عليا، او ان القيم غير ذات شأن عندما يتعلق الامر بالحكم، وان دماء الناس تصبح بدون حرمة. ما أكثر مثل هذه الدعاوى، وما أقل الأدلة الملموسة لتأكيدها. ولا بد من الاعتراف بصعوبة الحصول على الادلة الدامغة، فمن يمارس ذلك يسعى بقدر من الحنكة لعدم توفير ادلة ملموسة. فالدولة عادة تمتلك من الامكانات ما لا يملكه الافراد. فمثلا تقترف الدولة القمعية التعذيب، ولكنها لا توفر الدليل على ذلك، اولا بالسعي لممارسة اشكال التعذيب التي لا تترك اثرا جسديا واوضحا، كالحرمان من النوم، والتهديد بالاعتداءات الجنسية او ابقاء السجين معزولا عن العالم فترة طويلة حتى يفقد  توازنه ويصبح مستعدا لـ “الاعتراف” وفق ما يريد معذبوه.
اما الفساد المالي والاداري فهو الآخر يحاط بالكثير من الحذر والتعتيم. وفي غياب اجهزة الرقابة الفاعلة، يصعب اثبات حدوث هذا الفساد.
وحتى في الدول التي تتوفر على مؤسسات رقابية قوية مثل بريطانيا، فكثيرا ما يكشف الستار عن ممارسات فساد مالية حتى لدى الوزراء المتنفذين، كما يحصل هذه الايام حول ما يسمى “علاوة السكن الثاني” وهي المخصصات التي تدفع للوزراء الذين يضطرون بسبب عملهم لاستئجار منازل غير منازلهم المعتادة، ويصبحون بذلك مستحقين لتلك العلاوة، فيتم هنا التحايل والغش واللف والدوران لتحصيل المزيد من المال  بطرق غير مشروعة وان كانت في ظاهرها غير مخالفة للقانون. فاذا لم يستطع الاسلاميون تقديم نماذج حية من السلوك المستقيم والاداء الفاعل، وتقديم النموذج الذي قدمه رسول الله (ص) والامام علي (ع) في الحكم، فسوف يحاسبهم الله حسابا شديدا على تشويه صورة الاسلام وتلطيخ صورته.
لا يهمنا ما يفعله الآخرون، بقدر ما يهمنا أمر الأخوة المؤمنين الذين شاءت الأقدار ان يصلوا الى مناصب عليا في الدولة. الملاحظ ان الكثير من هؤلاء استمروا في الاحتفاظ بمعدلات عالية من النقاء الاخلاقي والاستقامة السلوكية، ولكن ربما ضعف البعض الآخر امام اغراءات المال والسلطة والمنصب، وغاص في وحل الفساد، سواء بقصد ام بدونه. وقد يمكن تبرير ضعف أداء بعض الاخوة  عندما تسند اليهم مهمات لم يعتادوها من قبل، كما قد يغفر لمن يرتكب خطأ غير مقصود بتصريح غير موزون ام بتصرف عابر غير لائق. ولكن السقوط في وحل الفساد أمر لا يمكن القبول به ويجب ان يتفق المحسوبون على  الخط الاسلامي على ميثاق شرف يقضي بعدد من الامور: اولها ان ينص على درجة تحمل تعادل صفرا ازاء الفساد، بمعنى ان اي نوع من الفساد المالي او الاداري غير مقبول اطلاقا. ثانيها: التمسك بارقى الأخلاق والقيم في الممارسة السياسية وعدم المساومة على ذلك. ثالثها: الرفض المطلق لمقولة “ان السياسة وسخة” لتبرير الممارسات المنحرفة، والعمل المثابر من اجل تجسيد ممارسات نظيفة لا تقوم على الكذب والنفاق والخداع، ونحن نؤمن بان الاسلام قادر على تحقيق ذلك، وان عجز المسلم عن ممارسة مستقيمة لا تعني عجز الاسلام. رابعها: ان يتفق المحسوبون على  التيار الاسلامي في اي نظام حكم على ايجاد وسائل الردع الكافية لمنع الممارسات المنحرفة او الفساد المالي والاداري، وان تكون تلك الوسائل رادعة حقا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى