فكر إسلامي

في رحاب أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع)

الأستاذ نبيل الحيدري

كان أمير المؤمنين (ع) يمثّل القمّة في الفضائل والكمالات والخصال الرائعات حتى صار رمزاً وأسوةً لكلّ طالب علم أو فضل أو كمال، حيث سار(ع) على نهج أستاذه ومربّيه رسول الله (ص). وقد جاءت الآيات تترى في  علي (ع) كآية التطهير والقربى والإنذار والإطعام والمباهلة والولاية والطاعة والإيمان والمبيت والبلاغ وإكمال الدين وإتمام النعمة  وغيرها من الآيات الكريمة إضافة لسورة الدهر.

وكذا أحاديث الرسول (ص) منذ أول الدعوة عندما جمع عشيرته قائلاً: (من يؤازرنى ويكون أخي ووصيّي ووزيري وخليفتي من بعدي) ليكون علي (ع) هو الوحيد الحائز على كلّ هذه الأوسمة. وحديث الكساء والمنزلة والمدينة والباب والمؤاخاة والمبيت والحروب والحكمة  حتى  بيعة الغدير ليقول (ص): (من كنت مولاه فهذا علي مولاه، أللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه)  وغيرها كثير. وقد شرح الإمام علي (ع) علاقته العظيمة برسول الله (ص)، قائلاً (ولقدعلمتم موضعي من رسول الله والقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة،  وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره ويكنفني فى فراشه ويمسّني جسده ويشمّني عرفه، وكان يمضغ  الشيء ثمّ يلقمنيه، وما وجد لي كذبة فى قول ولا خطلة فى فعل، وقد كنت أتّبعه اتباع الفصيل لأثر أمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه ويأمرني بالأقتداء به، ولقد كان يجاورني كلّ سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة وأشمّ ريح النبوّة).
وقد قيل في الأمير (ع) الكثير الكثير. فمن الصحابة مثلاً قال  أبو بكر: (قال رسول الله: لا يجوز أحد الصراط إلاّ من كتب علي ّ له الجواز)، وقال عمر بن الخطاب: (لولا على لهلك عمر)، وقالت عائشة: (علي أعلم الناس بالسنة)، وقال عبد الله بن عباس: (علمي وعلم باقي الصحابة من علم علي كقطرة فى سبعة أبحر)، وقال ابن مسعود: (عند علي علم القرآن كلّه، ظاهره وباطنه)، وقال معاوية: (إن عليا كان رسول الله يغره العلم غرا)، وقال عمرو بن العاص: (علي أخو رسول الله ووصيّه ووارثه وقاضي دينه ومنجز وعده).
ومن غير الصحابة مثلاً قول إبن أبى الحديد المعتزلي فى شرحه لنهج البلاغة: (ما أقول فى رجل تعزى إليه كلّ فضيلة، وتنتهي إليه كلّ فرقة، وتتجاذبه كلّ طائفة. فهو رئيس الفضائل وينبوعها وأبو عذرها وسابق مضمارها ومجلي حلبتها، كلّ من بزغ فيها بعده فعنه أخذ وله اقتفى وعلى مثاله احتذى).  وقال الشافعى: (ماذا أقول في رجل أخفى أولياؤه فضائله خوفاً، وأخفى أعداؤه فضائله بغضاً، وظهر مابين هذين ما ملأ الخافقين). وقال أحمد ابن  حنبل: (الصحابة فى الأرض وعلي فى السماء لا يطاول)، وقول معاوية بن يزيد: (إنّ هذه الخلافة حبل الله تعالى، وإنّ جدي معاوية قد نازع فى هذا الأمر أهله ومن كان أحقّ به منه علي بن أبى طالب لقرابته من رسول الله وعظم فضله وسابقته، أعظم المهاجرين قدراً وأشجعهم قلباً وأكثرهم علماً وأولهم إيماناً وأشرفهم منزلةً وأقدمهم صحبة)، وقال الخليل الفراهيدى: (إستغناء علي عن الكل  واحتياج الكل إليه دليل على أنّه إمام الكل). وقال أحدهم فيه: (لم أعجب من راهب ترك دنياه وعبد في صومعته، ولكن أعجب ممّن صارت الدنيا  تحت قدميه فزهد فيها حتى صار راهبا، ومعبّراً عنها بعفطة عنز أو خصف نعل إلاّ ان يقيم حقّاً او يدحض باطلاً).
ولماذا كل ذلك؟! للإخلاص لله تعالى وتطليق الدنيا ومساعدة المحتاجين وسعيه لتحقيق العدالة الإجتماعيّة وإيثاره المصلحة العامة. قال (ع): (إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً فى جنّتك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك)، (يادنيا قد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة فيها)، (ءأقنع من نفسي أن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم فى مكاره الحياة أو أكون أسوة لهم فى جشوبة العيش، ولعلّ فى الحجاز أو اليمامة من لا عهد له بالشبع أولا طمع له بالقرص)، (ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لاتقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد فو الله ما كنزت من دنياكم تبراً ولا ادخرت من غنائمها وفرا) ، (لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين ولو كانت علىّ خاصّة)، (أنا لكم وزير خير مني أمير). وقد عاتب بشدّة واليه على البصرة عثمان بن حنيف لأنّه حضر مأدبة للأغنياء دون الفقراء قائلاً (وما ظننت أنّك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ وغنيّهم مدعو)، كما عاتب الخليفة آنذاك  لأنّه فضّله على يهودي عندما وقفا للقضاء  لأنّ عليّاً أراد القضاء عادلاً نزيهاً.
وما أحوج المسلمين اليوم الى قيم أمير المؤمنين(ع) ومبادئه  العظيمة.
*باحث أكاديمي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى