فكر إسلامي

 القران الكريم في تراث الامام جعفر الصادق عليه السلام

الدكتور علي رمضان الاوسيnews1_dr alialawsi

نحاول هنا الاقتصار على بعض الاشارات والجوانب التي كان للقرآن الكريم إفادة مباشرة في كلامه واحاديثه (عليه السلام) وبقدر ما يتعلق بتجلية كونه نموذجاً أساساً في مدرسة أهل البيت التفسيرية:

1- روي عن الامام الصادق (ع) انه كان من دعائه إذا قرأ القرآن الكريم: (اللهم إني نشرت عهدك وكتابك، اللهم فاجعل نظري فيه عبادة وقراءتي تفكراً وفكري اعتباراً، واجعلني ممن اتعظ ببيان مواعظك فيه واجتنب معاصيك، ولا تطبع عند قراءتي كتابك على قلبي ولا على سمعي، ولا تجعل على بصري غشاوة، ولا تجعل قراءتي قراءة لا تدبر فيها، بل اجعلني أتدبر آياته وأحكامه آخذاً بشرائع دينك، ولا تجعل نظري فيه غفلة ولا قراءتي هذرمة، إنك أنت الرؤف الرحيم).

وروي عنه ايضاً: (اللهم أنت علمتناه قبل رغبتنا في تعليمه، واختصصتنا به قبل رغبتنا بنفعه، اللهم فإذا كان ذلك منّاً منك وفضلاً وجوداً ولطفاً بنا ورحمة لنا وامتناناً علينا من غير حولنا ولا حيلتنا ولا قوتنا، اللهم فحبب إلينا حسن تلاوته وحفظ آياته وإيماناً بمتشابهه وعملاً بمحكمه وسبباً في تأويله وهدىً في تدبيره وبصيرة في بنوره، اللهم وكما أنزلته شفاء لأوليائك وشقاء على أعدائك وعمى على أهل معصيتك ونوراً لأهل طاعتك اللهم فاجعله لنا حصنا من عذابك وحرزاً من غضبك وحاجزاً عن معصيتك وعصمة من سخطك ودليلاً على طاعتك ونوراً يوم نلقاك، نستضيء به في خلقك ونجوز به على صراطك ونهتدي به إلى جنتك).

وكان الامام الصادق (ع) يكرر بعض آيات القرآن الكريم مثل (اياك نعبد) و (مالك يوم الدين) ويقول: حتى كأني سمعته من قائله.

2- العناية بالقرآن الكريم:

روي عن الامام الصادق (ع) عن رسول الله (ص): (حملة القرآن عرفاء أهل الجنة).

ويقول الامام الصادق (ع): (ان الذي يعالج القرآن ويحفظه بمشقة منه له أجران).

حتى قال (ع): (ينبغي للمؤمن ان لا يموت حتى يتعلم القرآن أو يكون في تعليمه).

ويقول (ع): (القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم ان ينظر في عهده وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية).

فهذه العلاقة بالقرآن الكريم مؤداها ان يوفق صاحبها النظر في القرآن بتدبر وعناية ويصدق عليه انه من حملة هذا القرآن الكريم فكثير من الناس حُمّلوه ولم يحملوه، فالحمل اذن يكون بوعي وعناية فهو عهد الله الى خلقه.

3-التفسير بالرأي:

ورد عن الامام الصادق (ع): (من فسّر القرآن برأيه إنْ أصاب لم يؤجر وإن أخطأ كان إثمه عليه)، والمقصود بالرأي المجرّد الذي لا يتسلح بأدوات التفسير والشروط التي وضعت لمن يريد ان يتصدى للتفسير، أما ما يثار اليوم ويدعو له البعض بعنوان التجديد من خلال النظرة الانطباعية المجردة فهو المنهي عنه في كلام الامام الصادق (ع).

4- من هم الراسخون في العلم:

روي عن الامام الصادق (ع): (الراسخون في العلم أمير المؤمنين والائمة من بعده).

وقال أيضاً: (نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله).

فهم (ع) عدل القرآن وأحد الثقلين بحديث رسول الله (ص): (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي… الحديث).

فالرسوخ هنا تؤيد هذه الملازمة بين القرآن والعترة الطاهرة فهم المصاديق المتقدمة لمعرفة آيات القرآن الكريم.

وقد ورد في تفسير الصافي 1/12 عن الامام الصادق (ع) في تفسير قوله تعالى: (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم)(سورة العنكبوت: 49) (أنهم هم الائمة).

كما فسّر (عليه السلام) أولي الأمر في قوله تعالى: (اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)(سورة النساء: 59)، بقوله (ع): (العلماء)، ثم قال (ع): (الائمة منا أهل البيت). وهم (عليهم السلام) ابرز مصاديق علماء هذه الأمة، فهم (ع) علماء في القرآن الكريم وان فهم القرآن الكريم لا يتم الا بالرجوع الى ما جاء عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع).

5- ورثة الكتاب:

في تفسير قوله تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)(سورة فاطر: 32).

قال الامام الصادق (ع): (هم آل محمد).

كما روي عنه (ع): (انا اهل البيت لم يزل الله يبعث منا من يعلم كتابه من أوله الى آخره).

ويقول المفضل: قلت أخبرني عن قول الله عز وجل: (وجعلها كلمة باقية في عقبه)(سورة الزخرف: 28) قال الصادق (ع): (يعني بذلك الامامة جعلها في عقب الامام الحسين الى يوم القيامة).

6- القرآن لا يقرأ هذرمة:

روي عنه (ع): (كان أصحاب محمد يقرأ أحدهم القرآن في شهر أو أقلّ. إن القرآن لا يقرأ هذرمة ولكن يرتل ترتيلاً، وإذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فقف عندها واسأل الله تعالى، وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فقف عندها وتعوّذ بالله من النار).

والهذرمة: هي السرعة في القراءة، وهذه السرعة تقضي على صور التدبر والتلاوة الصحيحة فأنما أنزل القرآن الكريم لنتدبر آياته ويتلى بتمعن لتتم مراحل التزكية والتطهير والتعليم كما أرادها الله من رسوله (ص) في بيان آيات القرآن الكريم.

7- نماذج تفسيرية:

1- قوله تعالى: (من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً)(سورة المائدة: 32).

قال (ع): (من أخرجها من هدى إلى ضلال فقد – والله – قتلها).

وان كان هذا هو المعنى الآخر للآية فهم الراسخون في العلم يعلمون تأويله، وهذا المعنى تقبله الآية ولا يعارض أصلاً قرآنياً أو شرعياً.

2- في قوله تعالى: (ومما رزقناهم ينفقون)(سورة البقرة: 3).

قال الامام الصادق (ع) في تفسيرها: (ومما علمناهم يبثّون).

أليس العلم من رزق الله وفضله وان نشر واذاعة هذا العلم واجب وان زكاة العلم انفاقه فهذا معنى وان لم يظهر على سطح اللفظ لكنه من المعاني التي يكشفها التدبر في كتاب الله تعالى.

3- وفي جوابه على المشكك في معنى الآيتين: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة)(سورة النساء: 3).

وقوله تعالى: (ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)(سورة النساء: 129).

قال (ع): (في الآية الاولى عنى: (النفقة) وفي الآية الثانية عنى: (المودّة) فأنه لا يقدر أحد ان يعدل بين امرأتين في المودة)(49).

4- بيّن الامام الصادق (ع) معنى الكبائر من خلال الاستشهاد بالقرآن الكريم وذلك جواباً على سؤال من عمرو بن عبيد عن الكبائر:

مثل: الشرك، اليأس من روح الله، عقوق الوالدين، قتل النفس، قذف المحصنات، أكل مال اليتيم، أكل الربا، الفرار من الزحف، السحر، الزنا، اليمين الغموس، منع الزكاة، كتمان الشهادة، شهادة الزور، نقض العهد، وغيرها.

فكلها ذكرها الامام (ع) مع بيان آية قرآنية لكل كبيرة تتعرض لها الآية وكل ذلك يدخل في تفسير هذه المفردات حين يصنفها من الكبائر.

5-في علم الكلام وفي صفات الله سبحانه:

ورد عنه (عليه السلام) الكثير من الكلام الذي شخّص فيه رؤيته القرآنية في النظر الى صفات الله سبحانه فهو يقول (ع): (ان المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عز وجل، فانف عن الله تعالى البطلان والتشبيه فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود).

وقال (ع): (أما ربنا جل جلاله فلا تدركه أبصار الناظرين ولا تحيط به أسماع السامعين).

وقال (ع): (لو كان في مكان لكان محدثاً).

وعن الكرسي والعرش قال (ع): (العرش هو العلم الذي أطلع الله عليه أنبياءه ورسله وحججه، والكرسي هو العلم الذي لم يطلع عليه أحداً من أنبيائه ورسله وحججه).

وعن أفعال العباد يقول (ع): (هو أمر بين أمرين، لا جبر ولا تفويض).

ثم يقول (ع): (الله أعدل من أن يجبرهم على المعاصي ثم يعذبهم عليها).

6- الجري وتعدّد المصاديق:

يقول الامام الصادق (ع): (ان في كتاب الله أموراً أربعة: العبارات، والاشارات، والحقائق واللطائف، فالعبارات: للعوام، والاشارات للخواص، واللطائف: للأولياء، والحقائق: لأنبياء الله)، ويدعم هذه النظرة للقرآن الكريم ما روي عن رسول الله (ص): (ان للقرآن ظاهراً وباطناً، ولبطنه بطن إلى سبعة أبطن).

والظاهر هو ما دلّ عليه اللفظ بالمطابقة، والباطن ما دل عليه اللفظ بالالتزام، ولما كانت اللوازم متعددة تعدّد الباطن بتعددها وذلك يظهر ويخفى بالنسبة الى قوة الفهم وضعفه(52).

7- اللغة والتفسير:

يفيد الامام الصادق (ع) من معاني حرف الباء في قوله تعالى: (وامسحوا برؤوسكم)(سورة المائدة: 3). حين يسأله زرارة: من أين علمت ان المسح ببعض الرأس؟ فيجيب (عليه السلام): لمكان الباء.

فالباء تفيد التبعيض وهذا ما نصّ عليه علماء اللغة كابن قتبية وابي علي الفارسي وابن جنّي وغيرهم.

هذه بعض الموارد، اخترناها من جهود الامام الصادق (ع) في بيان القرآن الكريم وهناك تطبيقات أخرى للامام الصادق (ع) اعتمد فيها تفسير القرآن بالقرآن، ومبدأ عرض السنة على القرآن الكريم كما أشرنا إلى ذلك في القسم الأول من هذه الدراسة (مدرسة أهل البيت التفسيرية) وهناك عدد كبير من الاحاديث والروايات والمعالجات القرآنية الأخرى رويت عن الامام الصادق (ع)، وهي بحاجة الى تبويب وبحث متواصل للوقوف من خلال مسند خاصٍ للامام الصادق (ع) وذلك للوقوف على كل تلك المعارف والعلوم التي عرض لها وبيّنها.

وهكذا تبقى مدرسة أهل البيت (ع) شامخة بأعمدتها الرئيسة من المعصومين (عليهم السلام) واتباعهم من بعدهم، فقد خدمت هذه المدرسة بآثارها ومناهجها واتجاهاتها التفسيرية المتنوعة الأمة الاسلامية وزينت مكتبها، وحمت العقيدة من تحديات الانحراف الفكري والعقائدي والسلوكي الذي واجهته الأمة بعد رسول الله (ص).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى