التشريع حق إلهي أم بشري؟

عرض:علاء آل عيسى
صدر عن مؤسسة )رشيد الهجري( بكربلاء المقدسة في العراق كتاب ”التشريع حق إلهي أم بشري“ للمؤلف الشيخ علي محمد عساكر.
يعتقد المسلمون قاطبة ـ استنادا الى الادلة النقلية والعقلية ـ ان التشريع حق مختص بالله، وانه سبحانه لم يفوضه الى احد من خلقه، حتى لرسله وانبيائه، وان مصدر تشريعه تعالى هو القران الكريم، وواجب الامة الاسلامية هو الالتزام بهذا المصدر العظيم في شؤون حياتها كلها.
كما يجمعون على ان أي تشريع مخالف لتشريعه جل وعلا فهو باطل، ولا يصح العمل به، بل جعل نفسه مشرعا في مقابل الحق عز وجل، وكل من يترك تشريعه ليعمل بتشريعات غيره فقد اتخذ ذلك الغير ربا من دونه سبحانه وتعالى.
وفي تأكيد اجماع الامة الاسلامية على حصر التشريع في الله تعالى يقول العلامة الشيخ عبدالهادي الفضلي رحمه الله ”في اعتقادنا ان التشريع لا يكون الا من الله تعالى… فالتشريع كله من الله، وهذا لا يختلف فيه مسلم عن مسلم، والمشرع للاحكام الشرعية هو الله تعالى وحده، وهذه عقيدة جميع المسلمين، وأن النبي صلى الله عليه واله وسلم هو واسطة في التبليغ، وكذلك الامام. والفقيه المجتهد واسطة استنباط، لكن المشرع في الاصل هوالله“.
والذي نفهمه من هذا الكلام هو ان هناك ثلاثة امور متعلقة بموضوع التشريع الاسلامي على النحو التالي:
- التشريع: وهو مختص بالله تعالى.
- التبليغ: وهو مختص بالنبي والأئمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.
- استنباط الاحكام الشرعية: وهو مختص بالفقهاء المجتهدين.
ورغم اجماع الامة الاسلامية على حصر التشريع في الله، ورغم ان لهذا الاجماع الكثير من الادلة العقلية والنقلية الثابتة ثبوتا قطعيا، الا ان هناك البعض من شباب المسلمين ومثقفيهم ـ لسبب او اخر ـ خرقوا هذا الاجماع، وسلبوا هذا الحق من صاحبه، ليعطوه للبشر، ويجعلوه بأيديهم، ويعتبروه من حقهم، وداخل في صلاحياتهم. ومن بين هؤلاء الدكتور علي بن محمد الحمد، الذي ذهب هذا المذهب، لقناعة بان البشر هم المنتفعون من التشريع، وعليه فيجب ان يكون بأيديهم، ليشرعوا لانفسهم ما يحقق منفعتهم، ولما يراه من ان الادلة التي يقدمها الفكري الديني على حصر التشريع في الله عز وجل غير كافية في الاثبات، وللمناقشة فيها مجال كبير.
ويقول المؤلف بان الدكتور علي ربما انه يرى ان العلوم الشرعية تواجه ازمة حقيقية امام العلوم الحديثة، حتى انه كتب بحثين حول ذلك، كانا بعنوان (ازمة العلوم الشرعية في مقابل المنهجية العلمية الحديثة). كما انه كتب بحثا مختصرا في اثبات ما يذهب اليه من ان التشريع من حق البشر بعنوان (حق التشريع ـ بحث عقلي) حاول ان يناقش فيه المسألة مناقشة عقلية، فيدرسها على ضوء العقل ومعطياته.
يرتكز بحث الدكتور علي على عدة ركائز:
الركيزة الاولى: اختلاف البشر في تشخيص جهة التشريع: حيث اشار الى انهم ينقسمون في ذلك الى اقسام ثلاثة:
- الحكم الاستبدادي.
- الحكم الديني.
- الحكم الديمقراطي.
الركيزة الثانية: اثبات احقية البشر في التشريع:
حيث حاول جاهدا التأكيد على ان التشريع من حق البشر ومن اختصاصهم.
الركيزة الثالثة: تفنيد أدلة الإلهيين على حصر التشريع في الله تعالى:
حيث حاول الدكتور علي عرض ما يستدل به الالهيون من ادلة على حصر التشريع في الله. وقد اجمل استدلال الالهيين في ثلاثة ادلة هي:
- الاحتجاج بالقدرة.
- الاحتجاج بالملك.
- الاحتجاج بالنص الديني.
الركيزة الرابعة: خلاصة البحث: وقدم فيها خلاصة لاهم ما يحويه بحثه من النقاط المتعلقة بالموضوع، مقرونة بالتأكيد على ان التشريع من حق البشر، مدعيا قوة دليله الوحيد وكفايته في اثبات صحة مدعاه، وضعف ادلة الإلهيين وقصورها عن اثبات حصر التشريع في الله تعالى.
تم تقسيم الدراسة في هذا الكتاب الى ثلاثة فصول ومسك الختام:
الفصل الاول: التشريع في عقيدتنا الاسلامية: وبيّن فيه معنى التشريع لغة واصطلاحا، واوضح الفرق بينه وبين الفقه وكذا بين الشريعة وبين الدين، كما اشار الى الضابطة في افعال الانسان لتكون شرعية، كما تحدث عن منشأ او سبب احتياج الانسان الى القوانين والتشريعات، الى ان تناول الصفات التي يجب توافرها في المشرع ليكون من حقه التشريع، مؤكدا انحصارها في الله ليترتب على ذلك انحصار هذا الحق فيه تبارك وتعالى، ومن ثم تسليط الضوء على التشريع الالهي ومصدر التشريع في الاسلام وتمثله في القران الكريم باعتبار صدوره عن المشرع الحق سبحانه، والسنة المطهرة كونها المبينة لتلك التشريعات الالهية المقدسة.
الفصل الثاني: مع الباحث وبحثه: قدم فيه بطاقة تعريفية بصاحب بحث (حق التشريع) للدكتور علي بن محمد الحمد.
الفصل الثالث: وفيه عرض بحث الدكتور علي: قام المؤلف بعرض البحث وسلط الضوء عليه بالدراسة النقدية، ابتداء من اعطاء الانطباع العام عنه، مرورا بعنوانه، وصولا الى ادلته الواحد تلو الاخر، وقوفا عند مقاطع كل دليل مقطعا مقطعا، وانتهاء بمناقشة او دراسة اخر مقطع في خاتمته.
وقد تم مناقشة ودراسة بعض الرؤى والافكار التي تفضل الدكتور علي بعرضها وطرحها، الى حد انه قد يُخيل للقاريء الكريم ان المؤلف ذهب بعيدا عن صلب الموضوع.
وكما يعلم الجميع فان بعض الشبهات لا يمكن طرحها حتى في جملة واحدة، ولا محاولة نقضها وخصوصا اذا اردنا ان يكون ذلك النقض قويا، ومدعما بالادلة والبراهين، وبالاخص اذا كنا بحاجة الى توضيح المطلب، وبيان المسألة بمفهومها الصحيح قبل نقض الشبهة المثارة حولها فاننا نحتاج الى صفحات كثيرة جدا لذلك.
اما مسك الختام فهو بمثابة الخلاصة لهذه الدراسة، وتلخيص لاهم النتائج التي خرج بها منها.
يجب الاشارة الى انه رغم كل ما ذكر من اسباب التي دفعت المؤلف الى القيام بهذه الدراسة، الا انه لم يقدم على طباعتها الا بعد ان أعلم المنتدى القائم على هذه الفعالية (منتدى السهلة) بهذا العزم. وكذلك الدكتور علي كونه صاحب البحث، واخذ المؤلف الموافقة منهما على ذلك.
واخيرا فان المؤلف يدعو الشباب والنخب الثقافية الى عدم الاكتفاء بالقراءة في الكتب المادية المناقشة للفكر الديني، او المخالفة له، بل عليهم ايضا الرجوع الى الفكر الديني والوقوف عليه والتعرف على ما يقوله في اثبات قضاياه، وكذا في نقضه لما يثار حوله من شبهات، ومن ثم المقارنة بينه وبين ما هو موجود في الفكر المضاد له، والنظر في حجج كلا الطرفين، وترجيح بعضها على بعض وفق الموازين العلمية الصحيحة للدراسات النقدية، والبحوث التحقيقية، ومن ثم التسليم لما يثبته الدليل والبرهان.