الإسلام في بريطانيا 1558-1685

الكتاب من تأليف الدكتور نبيل مطر وترجمة بكر عباس ومراجعة إحسان عباس وتقديم محمد شاهين وهو من مطبوعات المشروع القومي للترجمة ويقع في حدود 300 صفحة.
بدايةً، الكتاب من الموضوعات المهمة التي تستحق الاطلاع والدراسة بحيث لا نجد لهذه الموضوعات وعلى أهميتها وفرة مكتوبة في المكتبة التاريخية.
الكتاب يعطي للقارئ تصورًا مذهلًا عما كانت عليه العلاقة بين الإسلام كدين ودولة وبريطانيا باعتبارها إمبراطورية نصرانية في سنوات 1558/ 1685 ميلادية.
يرسم لك الكتاب صورة الاستلاب الثقافي الذي فرضه المسلمون على نصارى أوربا بشكل عام وبريطانيا بشكل أخص، وهو بهذا يمثّل قولة ابن خلدون في مقدمته “والمغلوب مولع باتباع الغالب”.
وكانت بداية التفاعل بين البلدين أثناء أسر البريطانيين والإغارة على الجزر البريطانية وإيرلندا من قبل الأسطول البحري العثماني وتمخّض عن هذا أسر عدد كبير من الرعايا الإنجليز مما حدا بالملكة إليزابيث أن تراسل السلطان العثماني وتفتدي أسراها، واشتدّ الأمر على بريطانيا حتى تكاثر أسراها في أرجاء العالم الإسلامي موزّعين بين المغرب ومصر والجزائر وتركيا حتى قدمت عوائلهم عرائض للملكة والبرلمان تطالبهم بافتداء الأسرى مما سبب عجزًا ماليًا وهلعًا بين سكان الجزيرة البريطانية، وزاد الأمر تعقيدًا اعتناق الإسلام من قبل هؤلاء الأسرى، فنتجت عند ذلك إشكالات عدة جعلت المجتمع البريطاني ممثلًا في الحكومة والكنيسة والمسرح ينحو إلى مقاومة هذا الانفلات.
وفي الفترة التي أعقبت نهاية الحملات الصليبية في القرن السادس عشر فإن الإسلام كان قد عيّن وحدد الشمال أيضا وبصورة خاصة إنجلترا.
وفي سنة 1610 اعتنق الإسلام عدد من البريطانيين وأسلم بعد تلك السنة بتسع سنين عدد من الألمان وازدهرت الكتابة عن المتحولين إلى الإسلام وعن أسباب ذلك، وكان هذا من بعض آثار تعاظم هيمنة الإسلام ودولته ثقافيًا وعسكريًا.
واهتم الكتاب الإنجليز للتأريخ لمرحلة تأثر البريطانيين بالإسلام بل عرف عندهم نوع من التأليف كان معهودًا لدى العرب وهو أدب الرحلة فسافروا إلى الأراضي الإسلامية لمعرفة طبائع وثقافة المسلمين ليطّلعوا على الانجذاب الذي يفرضه المسلمون في مجتمعهم.
لقد كان البريطانيون يتحولون للإسلام بمحض إرادتهم لانبهارهم بقوته وما يرونه من أخلاق وقيم، ثم سطوة ثقافته الغالبة وولوعهم بالغالب، هذه سنة كونية نظرها ابن خلدون، وهو نفس ما يجري على المسلمين اليوم من انبهارٍ بالغرب وتقليده في كل شيء، بدءًا من النظم القانونية إلى الثقافة مرورًا بنمط العيش..! وما ذاك إلا لأن ثقافتهم غالبة ومهيمنة، وللإسهاب في الموضوع ينظر كتاب سلطة الثقافة الغالبة للشيخ إبراهيم السكران فرج الله عنه.
كما أن من أهم المميزات التي جعلتهم ولا تزال يدخلون في دين الله، المساواة وعدم التمييز إلا بالتقوى، بخلاف ما كان ولا يزال سائدًا من العنصرية وادعاء تفوق عرق على آخر..!
وفي الكتاب ذكر لمصطلح التترك ويقصد به الإسلام.. كما كان يطلق على المسلم لفظة المحمدي..
من الأمور المهمة في الكتاب اتجاه الكنيسة لتخصيص أيام في الأسبوع لوعظ الناس وحثّهم على الاعتزاز بدينهم وعدم الانجرار إلى مغريات الأتراك..
تم تداول نسخ القرآن في إنجلترا وإباحته للعامة بعد ترجمته في أواخر القرن السابع عشر واعتُمدت ترجمة (رُسّ) الذي بدوره ترجمه عن اللغة الفرنسية من ترجمة (دي رير) الفرنسي..
بعد ترجمة الإنجليز للقرآن الكريم وكتابًا في السيرة النبوية الشريفة، عمد الإنجليز إلى ترجمة نصّ فلسفي روائي بعنوان (حي بن يقظان) لعالم أندلسي جعل من كتابه مضمونًا مفاده إمكانية التعرف على الله من خلال التدبر فقط ومن دون الحاجة أو الاعتماد على وساطة نبيّ، فأعجب بها الإنجليز لإعجابهم بالنصّ أولًا ولقربها من فكرة النور الروحي ثانيًا، والذي كان ينادي به ثلة من مفكري الإنجليز أيام ثورتهم على الكنسية..!
شهد القرن السابع عشر محاولات مستمرة من قبل كثير من المفكرين الإنجليز والإسكتلنديين لإيجاد توازن بين العقيدة المسيحية وعلم الكونيات الحديث وفي هذا الصدد هيأ التراث العربي الإسلامي حلقة الاتصال بميراث من العلم حيث الباطن جزء لا يتجزأ من دراسة النظام الطبيعي وحيث العلم ما زال نظيرًا للوحي السماوي، وهذا بداية الانسلاخ عن مركزية الله في الكون وإبداله بمركزية الإنسان في العقل النخبوي الأوروبي، وامتد بعد ذلك ليصبح تفكيرًا جمعيًا، فتم إبراز كفاءة الإنسان بعيدًا عن استمداد القوة والعون من الله، والبحث عن اكتشافات تفيد البشر من دون الاعتماد على الله وعزو التوفيق له، فضلًا عن أنهم أنكروا أي وجود لفضل المسلمين العلمي عليهم، أما رمزية الإسلام فتكمن في عدم التعارض بين العلم والإيمان بحيث يجعل أفراده متدينين حدّ الولاية مع بعثهم للعمل الحضاري الذي مثلوه في فارس وخراسان والشام والعراق ومصر والغرب الإسلامي تتويًجا بالأندلس؛ الفردوس المفقود. فلم يكن المسلمون يعيشون انفصامًا بين الدين والعلم لأن الإسلام ببساطة لا يعرف شيئًا اسمه الكنيسة بما تحمله الكلمة من ثقل ديني أشبه ما يكون بدور الرقيب المتسلط المنتفع. إن الإسلام دين حضاري يجمع بين صفاء الروح وتزكية النفس ونفع الناس.
والفرق بين دخول الأتراك للبلاد العربية والنصرانية بقصد فتحها وبين دخول الصليبيين إلى أفريقيا أو البلاد الإسلامية التي احتلوها فرق كبير لا يمكن مقارنته من جميع النواحي، فدخولهم لأفريقيا على سبيل المثال كان تحت غطاء التنصير والتبشير بالربّ لكن كان هذا الشعار يحمل خلفه أكداسًا من العساكر التي تنهب وتستعبد ثروات المنطقة.
من الأمور الملفتة للنظر في الكتاب إعجاب الإنجليز بطرائق التعليم عند العرب والمسلمين خاصة خاصية الحفظ والتلقين.
يمكن القول أن فشل وانكسار العثمانيين في فيينا كان بداية النهاية بحيث تناسلت عدة تفاهمات أدت بالنهاية لكسر هيبتهم العسكرية مما جعل الروس من الشرق يقضمون الأراضي من قبلهم وهجم الأسبان على الجزائر وكذا فرنسا فاحتلتها وبعدها تونس وبريطانيا في مصر والسودان وجزيرة العرب، فوقع لهم ما وقع للمغرب مع فرنسا بعيد معركة “إيسلي”، فقد كان المغرب قبلها مهاب الجناح لا يعلم عدوه عنه شيئًا حتى إذا انهزمت جيوشه أمام الفرنسيين سقطت هيبته فسارعت فرنسا ومعها إسبانيا للإيقاع به ولله الأمر من قبل ومن بعد.
لقد خَبِرَتْ انجلترا طوال القرن السابع عشر علاقة تجاذب وتباعد مع الإسلام إما بأخذ عناصر من حضارة العرب والعثمانيين وإما بذمّ تلك الحضارة، لقد كان الإسلام بعيدًا عن انجلترا بعدًا يغري بالاقتراب منه وقريبًا في أثره الحربي والتجاري قربًا يجعله على الأبواب؛ ولذلك فإن الوعاظ والرحالة كانوا إما يدخلونه في خطتهم المسيحية للعالم أو يلعنونه، وفي كلتا الحالتين كانوا يعترفون به ويولونه اهتمامهم.